عضو المجلس الأعلى للدولة الليبية أبو القاسم قزيط لـ "الصحيفة": اتفاق الصخيرات الإنجاز السياسي الأهم لليبيا خلال العقد الأخير .. واستبعاد المغرب عن أيّ تكتل إقليمي قرار يفتقر إلى الحكمة
في هذا الحوار الذي خصّ به "الصحيفة"، استعرض أبو القاسم قزيط، عضو المجلس الأعلى للدولة الليبية وأحد الشخصيات البارزة في المشهد السياسي الليبي، رؤيته حول عدد من القضايا المتعلقة بالعلاقات الليبية-المغربية، وآفاق العملية السياسية في ليبيا، وتحديات بناء التكتلات الإقليمية. كما تطرق لدور المغرب المحوري في دعم الحوار السياسي الليبي، مستشهدًا بالمبادرات التي استضافها المغرب في مدن مثل الصخيرات وبوزنيقة، والتي لعبت دورًا حاسمًا في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الليبيين، مؤكدا على أهمية المقاربة المغربية التي تعتمد على الحياد ودعم المؤسسات الشرعية، ما أسهم بشكل كبير في تحقيق توافقات ملموسة في المشهد الليبي
وناقش الفاعل السياسي الليبي قزيط، تحديات إنشاء تكتل إقليمي يستثني المغرب، معتبرًا أن أي تكتل لا يشمل الدول الخمس المغاربية الأساسية، خاصة المغرب والجزائر، يفتقر إلى الفعالية والبصيرة، فيما أشاد بمكانة المغرب كدولة محورية في المنطقة العربية والإسلامية، معتبرًا غيابها عن أي محفل إقليمي أو دولي بمثابة فراغ لا يمكن تعويضه، معربا عن تفاؤله الحذر بشأن إمكانية تنظيم انتخابات برلمانية بحلول نهاية عام 2025، شريطة التوافق على رؤية واضحة لهذه الانتخابات.
- بصفتكم عضو المجلس الأعلى للدولة الليبية، يف تقيمون نتائج الاجتماع التشاوري الأخير الذي انعقد في بوزنيقة؟ هل أنتم راضون تماما عمّا توصّلتم إليه في البيان الختامي؟
بصراحة، حالة التوافق بين مجلسي النواب الليبي والمجلس الأعلى للدولة ليست جديدة، بل هي سمة تميزت بها اللقاءات السابقة أيضًا، والبيان الصادر عن الاجتماع يحمل في طياته إيجابية كبيرة، حيث لم يغلق الأبواب أمام الحوار، بل على العكس، فتحها على مصراعيها أمام كل القوى الوطنية الليبية، وكذلك أمام البعثة الأممية.ومع ذلك، من غير المنطقي تصور أي عملية سياسية تنطلق بعيدًا عن المجلسين.
وصحيح للمجلسين مشاكلهم وجملة من الصعوبات والتحديات والإكراهات الكبرى التي يجابهونها، ونحن ندركها جيدًا سواء كانت ذات طبيعة سياسية، وأمنية، ومسلحة، أو حتى قبلية، لكنني أؤمن شخصيًا بأنه من المستحيل تجاوز دورهما في أي مسار سياسي مستقبلي.
- المغرب يُشرف على هذه المشاورات بين الفرقاء الليبيين منذ سنوات، إلى أي مدى أسهمت هذه الجهود في تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية وبين مؤسسات الدولة؟
في الواقع، ما يزال الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات عام 2015 يشكل الإطار الأساسي الذي يحكم المرحلة الانتقالية في ليبيا، وأود الإشارة هنا إلى أنني كنت أحد الموقعين على ذلك الاتفاق، وأعتبره - من وجهة نظري الشخصية - الإنجاز السياسي الأهم خلال العقد الأخير، وصحيح لا أخفيك أن البعض قد ينظر إليه بعين الانتقاد، ويرى فيه كارثة سياسية، إلا أنني أراه على العكس تمامًا، محطة فارقة أسهمت في إرساء أسس الحوار الليبي.
وأؤكد أن اتفاق الصخيرات، وما تلاه من تفاهمات مثل اجتماع "6+6"، الذي انعقد أيضًا في المغرب، رسم مسارًا واضحًا منذ انطلاق العملية السياسية وحتى مراحلها المتقدمة، كما أن هذه الجهود المغربية لم تكن مجرد رعاية شكلية، بل كانت لها أدوار جوهرية في تذليل العقبات وحلحلة كثير من القضايا الشائكة، مما أسهم بشكل كبير في تقريب الرؤى بين الأطراف الليبية ومؤسسات الدولة.
- هل يمكن القول إن مقاربة المغرب التي تعتمد على عدم التدخل المباشر في الشأن الليبي، مع الاكتفاء برعاية المشاورات من بعيد، قد ساهمت في تحقيق هذا التوافق بين الفرقاء الليبيين؟
نعم، يمكننا الجزم بذلك، المغرب تبنى نهجًا فريدًا ومتميزًا في التعامل مع الأزمة الليبية، يقوم على دعم العملية السياسية بحكمة وتعقل، دون التدخل المباشر في الشؤون الداخلية لليبيا، وهذا على عكس العديد من الدول التي لجأت إلى دعم أطراف غير شرعية أو فرض رؤى معينة. وأؤكد لكم أن المغرب حرص دائمًا على التعامل مع الأطراف الرسمية والشرعية الممثلة للشعب الليبي، وليس مع قوى الأمر الواقع.
وبالتالي، هذا النهج المتزن والالتزام بالحوار مع الممثلين المعترف بهم دوليًا أسهم بشكل كبير في خلق مناخ من الثقة، وهو ما انعكس إيجابيًا على فرص التوافق بين الفرقاء الليبيين، بذلك، كانت جهود المغرب عاملًا مساعدًا في تقريب وجهات النظر وتعزيز فرص الحل السياسي السلمي.
- كيف ترون مستقبل العلاقات الليبية-المغربية، خاصة في ظل الحديث اليوم ضمن مخرجات اللقاء التشاوري عن انتخابات جديدة وتشكيل سلطة تنفيذية جديدة في ليبيا؟
الشعب الليبي، بطبيعته، يحمل تقديرًا خاصًا لكافة جيرانه في المحيط العربي والإسلامي، ويتطلع دائمًا إلى تعزيز روابطه معهم. ليبيا تحتل موقعًا جغرافيًا وثقافيًا فريدًا يربط بين شمال إفريقيا والشرق العربي، ما يجعلها تتمتع بسمات مشتركة بين الشرق والغرب. الليبيون يفهمون جيدًا الثقافة المغاربية بنفس القدر الذي يفهمون به ثقافات المشرق، وهذا يمنحهم رؤية شاملة وتوجهًا منفتحًا نحو محيطهم العربي والإفريقي.
أما من منظور العلاقات الثنائية، فليبيا دولة صغيرة نسبيًا، لكنها تتبنى سياسة تقوم على مبدأ الصداقة مع الجميع، دون أي نية لمعاداة أو مناكفة أي طرف، هذا هو التصور الذي نطمح إليه لدور ليبيا كدولة تعمل على بناء الجسور وتعزيز التعاون.
وبالنسبة للعلاقة مع المملكة المغربية، فإن المغرب يُعتبر شريكًا واعدًا ومستقرًا، يسير بخطى متسارعة نحو تحقيق التنمية والتحديث والتطور، وفي تقديري الشخصي، إذا كانت السياسة الخارجية الليبية تُدار بحكمة وعقلانية، فإن تعزيز العلاقات مع المغرب يجب أن يكون من أولوياتها القصوى، فالمملكة المغربية ليست مجرد دولة شقيقة، بل هي نموذج للنهضة والاستقرار ويمكن لليبيا أن تستفيد من تجربته لتعزيز شراكاتها الإقليمية وتحقيق مصالحها الوطنية.
- مؤخرًا، برزت بعض الانتقادات وطفى نوع من العتب على طرابلس عقب انخراطها في إنشاء تكتل إقليمي مع تونس والجزائر دون إشراك المغرب في ظل رفض موريتانيا الانضمام، ما هو موقفكم من هذا التكتل؟ وألا تعتبرون أنه سيشكّل تشويش على هذه العلاقة التي تصفونها بـ "المتميزة" وأنتم تتحدثون عن دور المغرب في استقرار ليبيا ورعاية المشاورات الليبية؟
بصراحة، وسأكون واضحا بهذا الخصوص أي تكتل إقليمي لا يضم الدول الخمس المكونة للاتحاد المغاربي، أنا شخصيًا أعارضه. في هذا الفضاء المغاربي، هناك دولتان كبيرتان ووازناتان هما المغرب والجزائر، ومن غير المنطقي أن يسعى أي طرف لتشكيل تكتلات دون إشراكهما، نحن في ليبيا لا نسعى لقيادة هذا الفضاء، بل نرى أن القيادة الحقيقية يجب أن تكون بالتوافق بين المغرب والجزائر، وهما معا الدولتان الوحيدتان المؤهلتان للقيادة بالنظر لمكانتها وثقلهما في المنطقة.
ومن المهم التأكيد على أن ليبيا ليست طرفًا في تصفية الصراعات بين هذين البلدين، نحن لسنا مع الجزائر ضد المغرب ولا مع المغرب ضد الجزائر، ليبيا تتبنى سياسة الحياد وتسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع جميع الأطراف، ومع ذلك، فإن المغرب بلد محوري، ليس فقط في المغرب العربي، بل في العالم العربي والإسلامي أيضًا، وغياب المغرب عن أي محفل عربي أو إسلامي يترك فراغًا واضحًا لا يمكن لأي جهة أخرى ملؤه غيره هو فقط. ومن وجهة نظري، استبعاد المغرب عن مثل هذه التكتلات أو المحافل يُعد قرارًا يفتقر إلى الحكمة والبصيرة.
- طيب، نعود للشأن الليبي بالنظر إلى توصيات الأمم المتحدة الأخيرة وخلاصات الاجتماع التشاوري، هل يمكن القول إن عام 2025 سيكون عامًا للاستقرار والأمن وتنظيم انتخابات شفافة في ليبيا؟
نأمل ذلك بكل تأكيد، الوضع الحالي في ليبيا، وإن كان بعيدًا عن المثالية، ليس بالسوء الذي عرفناه سابقًا. صحيح أنه لا توجد حروب، والوضع الأمني مستقر نسبيًا، لكن التحديات الاقتصادية ما زالت قائمة، وإن كانت الأوضاع الاقتصادية ليست كارثية.
ما نطمح إليه هو انطلاق عملية سياسية حقيقية تُفضي إلى انتخابات شفافة وشاملة. ومع ذلك، فإن تحقيق هذا الهدف يتوقف على طبيعة الانتخابات التي سيتم الاتفاق عليها. إذا توافقنا على إجراء انتخابات برلمانية فقط، فإن تنظيمها بحلول نهاية العام القادم 2025 يبدو ممكنًا. أما إذا تمسكنا بالرؤية التي تجمع بين الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فإن ذلك يتطلب وقتًا أطول للتحضير والإعداد لضمان نجاح العملية الانتخابية بشكل يرضي جميع الأطراف.